إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه logo تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.
shape
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية
74539 مشاهدة print word pdf
line-top
توافق ابن تيمية مع الأئمة الأربعة في عقيدة أهل السنة والجماعة

...............................................................................


فهكذا عقيدة أهل السنة والجماعة في إيمانهم بهذه العقيدة، بعد ذلك ذكر أن هذه عقيدة الأئمة.
يقول:
هـذا اعتقـاد الشـافعي ومـالك
وأبي حنيفـة ثـم أحمـد ينقـل
فـإذا اتبعت طـريقهـم فموفـق
وإن ابتدعت فمـا عليـك معـول
يعني أن هذا الذي قلناه هو اعتقاد الأئمة الأربعة ليس هو اعتقاد الإمام أحمد فقط، بل الأئمة الأربعة كلهم على هذا الاعتقاد أولهم أبو حنيفة وهو أقدمهم؛ لأنه مات سنة مائة وخمسين وكان -رحمه الله- على السنة، ولم يكن في زمانه من يقوم بالبدع، ولم يختلط بهم، ولأنه من التابعين، ولم يوافقهم؛ لكن روي عنه شيء من الإرجاء؛ ولأجل ذلك الحنفية إلى اليوم يُفضلون الإرجاء.
فيقولون في الرجاء وكذلك أيضا يقولون إن الأعمال ليست من مسمى الإيمان وحاش أبا حنيفة أن يقول بهذه الأقوال، ولأبي حنيفة كتاب مشهور مطبوع يُقال له: الفقه الأكبر ولكن مع الأسف أن الأيدي عبثت به، وأدخلوا فيه كثيرا مما ليس من عقيدة أهل السنة حيث إن أتباعه الذين تسموا بأنهم حنفية غيروا فيه.
وشرحه كثير منهم شرحا جزئيا؛ حيث جعلوه على معتقدهم، وإلا فإنه صريح في عقيدة أهل السنة حتى يُقال له: ما تقول فيمن يقول إن الله ليس على العرش؟ فقال: قد كفر؛ لأن الله قال: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى فسئل فقيل إنه يقول: إن الله على العرش، ولكن لا أدري العرش في السماء، أو في الأرض؟ فقال: قد كفر لأن الله في السماء، وأنه يُدعى من أعلى، ولا يدعى من أسفل يعني أن أبا حنيفة على الفطرة أنه على عقيدة أهل السنة، وأنه يقول بهذا القول الذي هو معتقد أهل السنة والجماعة، فعقيدته عقيدتهم ليس هو عقيدة المرجئة، أو الأشعرية الذين ينتمون إليه في هذه الأزمنة.
وأما الإمام مالك وتوفي- رحمه الله- سنة مائة وتسع وسبعين وجاوز الثمانين وهو- رحمه الله- أيضا إمام دار الهجرة إمام المدينة وكان قد اشتهر بالعلم، وتوافد إليه الخلق، وتعلموا منه، وتعلم ما فتح الله عليه، وتلقى عن أولاد الصحابة الذين في المدينة وعقيدته عقيدة أهل السنة ثبت عنه أنه يقول: الله في السماء، وعلمه في كل مكان يعني: اعترف بأن الله تعالى في السماء بذاته، وأن علمه في كل مكان أي: بكل شيء عليم، وكذلك ذكرنا سابقا أنه سُئل عن: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى كيف استوى؟ فقال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، ولا أراك إلا مُبتدعا، ثم أمر به فأخرج.
وهذا السؤال أيضا قد ورد على شيخه الذي هو ربيع بن أبي عبد الرحمن؛ ربيعة بن هارون وكان شيخه الذي أخذ منه كثيرا من العلوم سئل عن الاستواء فقال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، ومن الله الرسالة، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التسليم.
وروي هذا أيضا عن أم سلمة إحدى أمهات المؤمنين أي تفسير الاستواء بهذا، فهذا قول مالك أن مالكا - رحمه الله- على معتقد أهل السنة والجماعة.
وأما الشافعي فمعروف أيضا أنه إمام من الأئمة، ومات سنة مائتين وأربع، وقد اشتهرت عنه الأدلة التي تثبت أنه على قول أهل السنة والجماعة، إثبات أن القرآن كلام الله، وإثبات الصفات والإيمان بها، وإثبات أركان الإيمان وما أشبهها موجود في مؤلفاته، وموجود في نقول تلاميذه التي لا يمكن جحدها.
وأما الإمام أحمد فهو إمام أهل السنة أحمد بن حنبل وتوفي سنة مائتين وإحدى وأربعين-رحمهم الله وأكرم مثواهم- له كتاب أو رسالة في الرد على الجهمية مطبوعة محققة بعنوان الرد على الجهمية لما شكت فيه من متشابه القرآن، ويسميهم الزنادقة يجيب عن كل آيتين يطعنون في القرآن بسببهما، فيقول: فهذا تفسير ما شكت فيه الزنادقة.
وله أيضا رسالة اسمها رسالة السنة قد قُرئت علينا قبل ثلاث سنين، أو أربع سنين في الدمام ، فسجل الشرح، ثم طُبِعَ أيضا شرح عليها، وكذلك أيضا له رسالة في السنة أيضا قد طبعت مرة، وطبعت أيضا في طبقات الحنابلة في المجلد الأول في أوله رسالة قيمة في عقيدة أهل السنة والجماعة مما يدل على أنه- رحمه الله- كان يكثر من الكتابة في معتقد أهل السنة، وكتب أيضا ابنه عبد الله كتاب السنة المشهور الذي طبع الآن في مجلدين وطبع قبل ذلك في مجلد، وكتب أيضا تلميذه عبد الله الذي هو الخلال الذي جمع علوم الإمام أحمد وجمع المسائل ورتبها في نحو عشرين مجلدا، وله كتاب مطبوع طبع منه مجلدان كبيران اسمه السنة للخلال أبو بكر الخلال تلميذ عبد الله وهو ينقل عن عبد الله وعبد الله ينقل عن أبيه أحمد . فهذه معتقدات الأئمة أئمة السنة والجماعة؛ فلذلك قال -رحمه الله-
هـذا اعتقـاد الشافعـي ومـالك
وأبي حنيفـة ثـم أحمـد ينقـل
قد ذكرنا أن شيخ الإسلام لما أحضر عند السلطان سلطان دمشق وأخذ أعداؤه وأضداده ينكرون عليه هذه العقيدة، وقال هذا السلطان: إن هذا على مذهب أحمد ومذهب أحمد معترف به فاتركوه ومذهبه، وأنتم شافعية فلا تتعرضونه؛ فقال شيخ الإسلام: معاذ الله أن يكون لأحمد به اختصاص، بل إنه مذهب الأئمة الأربعة ائتوني بنقل صحيح عن واحد من الأئمة الأربعة، أو الأئمة الذين في زمانهم يوافق ما تقولون، يُنكر أن يكون الله ليس على العرش، ينكر فيه أن الله ليس في السماء، ينكر أن الله تعالى لا ينزل إلى السماء كما يشاء، فلم يستطعيوا أن يأتوه بحرف واحد عن أحد من أئمتهم، وإنما إمامهم ابن كلاب .
وإمام المعتزلة أبو هذيل العلاف وإمامهم أيضا أبو هاشم الجبائي ومن أشبههم، وإمام كثير منهم محمد بن الكرام وإمامهم الأشعري ولكن الأشعري - رحمه الله- قد تراجع عن معتقدهم، وألف كتابه الذي سماه مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين، وهو مطبوع، وألف كتابه أيضا الذي سماه الإبانة في أصول الديانة، وهي أيضا مطبوعة وهي أيضا على معتقد أهل السنة، ولكن له كتب قد كتبها قبل أن يرجع.
ذكر أنه كان له ثلاث حالات: حالة كان معتزليا يعني على مذهب الجبائي في الاعتزال، ثم إنه غضب عليه، ولم يقدر على جواب مسألة ألقاها عليه، بعد ذلك تتلمذ على عبد الله بن سعيد بن كلاب وسلك مسلكه ثم بقي على هذا المعتقد أربعين سنة، وألف أكثر كتبه، ثم هداه الله تعالى في آخر حياته، وسلك مسلك الإمام أحمد بن حنبل وتراجع عن تلك الكتب، ولكن أكثر الناس اعتمدوا كتبه التي كتبها لما كان على معتقد ابن كلاب .
فهذه طريقة أهل السنة وهذا معتقدهم -رحمهم الله وأكرم مثواهم- نسأل الله أن يرزقنا حبهم وحب من يحبهم، وأن يحشرنا في زمرتهم، نسأله سبحانه أن يحيينا على الكتاب والسنة، وأن يميتنا على ذلك، وأن يحشرنا في زمرة الصالحين، وأن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وأن يهبنا من لدنه رحمة إنه هو الوهاب. والله تعالى أعلم، وصلى الله على محمد .

line-bottom